فصل: تفسير الآيات (58- 62):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (58- 62):

{وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (58) وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (59) فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ (60) قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (61) وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62)}
قوله عز وجل: {وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه} الآية. قال ابن إسحاق والسدي: وإنما جاءُوا ليمتاروا من مصر في سني القحط التي ذكرها يوسف في تفسير الرؤيا، ودخلوا على يوسف لأنه كان هو الذي يتولى بيع الطعام لعزته.
{فعرفهم} فيه وجهان:
أحدهما: أنه عرفهم حين دخلوا عليه من غير تعريف، قاله ابن عباس.
الثاني: ما عرفهم حتى تعرفوا إليه فعرفهم، قاله الحسن.
وقيل بل عرفهم بلسانهم العبراني حين تكلموا به.
قال ابن عباس: إنما سميت عبرانية لأن إبراهيم عليه السلام عبر بهم فلسطين فنزل من وراء نهر الأردن فسمّوا العبرانية.
{وهم له منكرون} لأنه فارقوه صغيراً فكبر، وفقيراً فاستغنى، وباعوه عبداً فصار ملكاً، فلذلك أنكروه، ولم يتعرف إليهم ليعرفوه. قوله عز وجل: {ولمّا جهزهم بجهازهم} وذلك أنه كال لهم الطعام، قال ابن إسحاق: وحمل لكل رجل منهم بعيراً بعدَّتهم.
{قال ائتوني بأخٍ لكم من أبيكم} قال قتادة: يعني بنيامين وكان أخا يوسف لأبيه وأمه.
قال السدي: أدخلهم الدار وقال: قد استربت بكم تنكر عليهم فأخبروني من أنتم فإني أخاف أن تكونوا عيوناً، فذكروا حال أبيهم وحالهم وحال يوسف وحال أخيه وتخلفه مع أبيه، فقال: إن كنتم صادقين فائتوني بهذا الأخ الذي لكم من أبيكم، وأظهر لهم أنه يريد أن يستبرئ به أحوالهم. وقيل: بل وصفوا له أنه أحَبُّ إلى أبيهم منهم، فأظهر لهم محبة رؤيته.
{ألا تروْن أني أوفي الكيلَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: أنه أرخص لهم في السعر فصار زيادة في الكيل.
الثاني: أنه كال لهم بمكيال واف.
{وأنا خير المنزلين} فيه وجهان:
أحدهما: يعني خير المضيفين، قاله مجاهد.
الثاني: وهو محتمل، خير من نزلتم عليه من المأمونين. فهو على التأويل الأول مأخوذ من النزل وهو الطعام، وعلى التأويل الثاني مأخوذ من المنزل وهو الدار.
قوله عز وجل: {فإن لم تأتوني به فلا كيْل لكم عندي} يعني فيما بعد لأنه قد وفاهم كيلهم في هذه الحال.
{ولا تقربون} أي لا أنزلكم عندي منزلة القريب. ولم يُرد أن يبعدوا منه ولا يعودوا إليه لأنه على العود حثهم.
قال السدي: وطلب منهم رهينة حتى يرجعوا، فارتهن شمعون عنده. قال الكلبي: إنما اختار شمعون منهم لأنه يوم الجُبّ كان أجملهم قولاً وأحسنهم رأياً.
قوله عز وجل: {قالوا سَنُرَاوِدُ عنه أباه} والمراودة الاجتهاد في الطلب، مأخوذ من الإرادة. {وَإِنَّا لَفَاعِلُون} فيه وجهان:
أحدهما: وإنا لفاعلون مراودة أبيه وطلبه منه.
الثاني: وإنا لفاعلون للعود إليه بأخيهم، قاله ابن إسحاق.
فإن قيل: كيف استجاز يوسف إدخال الحزن على أبيه بطلب أخيه؟
قيل عن هذا أربعة أجوبة:
أحدها: يجوز أن يكون الله عز وجل أمره بذلك ابتلاء ليعقوب ليُعظم له الثواب فاتّبع أمره فيه.
الثاني: يجوز أن يكون أراد بذلك أن ينبه يعقوب على حال يوسف.
الثالث: لتضاعف المسرة ليعقوب برجوع ولديه عليه.
والرابع: ليقدم سرور أخيه بالاجتماع معه قبل إخوته لميله إليه.
قوله عز وجل: {وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم} قرأ حمزة والكسائي وحفص {لفتيانه} وفيهم قولان:
أحدهما: أنهم غلمانه، قاله قتادة.
الثاني: أنهم الذين كالوا لهم الطعام، قاله السدي.
وفي بضاعتهم قولان:
أحدهما: أنها وَرِقهم التي ابتاعوا الطعام بها.
الثاني: أنها كانت ثمانية جُرُب فيها سويق المقل، قاله الضحاك.
وقال بعض العلماء: نبه الله تعالى برد بضاعتهم إليهم على أن أعمال العباد تعود إليهم فيما يثابون إليه من الطاعات ويعاقبون عليه من المعاصي.
{لعلهم يعرفونها} أي ليعرفوها.
{وإذا انقلبوا إلى أهلهم} يعني رجعوا إلى أهلهم، ومنه قوله تعالى: {فانقلبوا بنعمة من الله} [آل عمران: 174].
{لعلهم يرجعون} أي ليرجعوا.
فإن قيل: فلم فعل ذلك يوسف؟
قيل: يحتمل أوجهاً خمسة:
أحدها: ترغيباً لهم ليرجعوا، على ما صرّح به.
الثاني: أنه علم منهم لا يستحلّون إمساكها، وأنهم يرجعون لتعريفها.
الثالث: ليعلموا أنه لم يكن طلبه لعودهم طمعاً في أموالهم.
الرابع: أنه خشي أن لا يكون عند أبيه غيرها للقحط الذي نزل به.
الخامس: أنه تحرج أن يأخذ من أبيه وإخوته ثمن قوتهم مع شدة حاجتهم.

.تفسير الآيات (63- 64):

{فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (63) قَالَ هَلْ آَمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64)}
قوله عز وجل: {فلمّا رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا مُنِعَ مِنّا الكيل} واختلفوا في نزلهم الذي رجعوا إليه إلى أبيهم على قولين:
أحدهما: بالعربات من أرض فلسطين.
الثاني: بالأولاج من ناحية الشعب أسفل من حمس، وكان صاحب بادية له شاءٌ وإبل.
{قالوا يا أبانا منع منا الكيل} أي سيمنع منا الكيل إن عدنا بغير أخينا لأن ملك مصر ألزمنا به وطلبه منا إما ليراه أو ليعرف صدقنا منه.
{فأرسل معنا أخانا نكتَل} أي إن أرسلته معنا أمكننا أن نعود إليه ونكتال منه.
{وإنا له لحافظون} ترغيباً له في إرساله معهم. فلم يثق بذلك منهم لما كان منهم في يوسف.
{قال هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل} لأنهم ضمنوا له حفظ يوسف فأضاعوه، فلم يثق بهم فيما ضمنوه.
{فالله خير حافظاً} قرأ حمزة والكسائي وحفص {حافظاً} يعني منكم لأخيكم.
{وهو أرحم الراحمين} يحتمل وجهين: أحدهما: أرحم الراحمين في حفظ ما استودع.
والثاني: أرحم الراحمين فيما يرى من حزني.

.تفسير الآيات (65- 66):

{وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65) قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آَتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66)}
قوله عز وجل: {ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم رُدَّتْ إليهم} أي وجدوا التي كانت بضاعتهم وهو ما دفعوه في ثمن الطعام الذي امتاروه.
{قالوا يا أبانا ما نبغي} فيه وجهان:
أحدهما: أنه على وجه الاستفهام بمعنى ما نبغي بعد هذا الذي قد عاملنا به، قاله قتادة.
الثاني: معناه ما نبغي بالكذب فيما أخبرناك به عن الملك، حكاه ابن عيسى.
{هذه بضاعتنا ردت إلينا} احتمل أن يكون قولهم ذلك له تعريفاً واحتمل أن يكون ترغيباً، وهو أظهر الاحتمالين.
{ونمير أهلنا} أي نأتيهم بالميرة، وهي الطعام المقتات، ومنه قول الشاعر:
بعثتك مائراً فمكثت حولاً ** متى يأتي غياثك من تغيث.

{ونمير أهلنا} هذا ترغيب محض ليعقوب.
{ونحفظ أخانا} وهذا استنزال.
{ونزداد كيل بعير} وهو ترغيب وفيه وجهان:
أحدهما: كيل البعير نحمل عليه أخانا.
والثاني: كيل بعير هو نصيب أخينا لأن يوسف قسّط الطعام بين الناس فلا يعطى الواحد أكثر من حمل بعير.
{ذلك كَيْلٌ يسير} فيه وجهان:
أحدهما: أن الذي جئناك به كيل يسير لا ينفعنا.
والثاني: أن ما نريده يسير على من يكيل لنا، قاله الحسن. فيكون على الوجه الأول استعطافاً، وعلى الثاني تسهيلاً.
وفي هذا القول منهم وفاءٌ، ليوسف فيما بذلوه من مراودة في اجتذاب أخيهم لأنهم قد راودوه من سائر جهات المراودة ترغيباً واستنزالاً واستعطافاً وتسهيلاً.
قوله تعالى: {قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقاً من الله} في هذا الموثق ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه إشهادهم الله على أنفسهم.
الثاني: أنه حلفهم بالله، قاله السدي.
الثالث: أنه كفيل يتكفل بهم.
{لتأتنني به إلاَّ أن يحاط بكم} فيه وجهان:
أحدهما: يعني إلا أن يهلك جميعكم، قاله مجاهد.
الثاني: إلا أن تُغلَبوا على أمركم، قاله قتادة.

.تفسير الآيات (67- 68):

{وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (68)}
قوله عز وجل: {وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد} يعني لا تدخلوا مصر من باب واحد، وفيه وجهان:
أحدها: يعني من باب واحد من أبوابها.
{وادخلوا من أبواب متفرقة}، قاله الجمهور.
الثاني: من طريق واحد من طرقها {وادخلوا من أبواب متفرقة} أي طرق، قاله السدي.
وفيما خاف عليهم أن يدخلوا من باب واحد قولان:
أحدهما: أنه خاف عليهم العين لأنهم كانوا ذوي صور وجمال، قاله ابن عباس ومجاهد.
الثاني: أنه خاف عليهم الملك أن يرى عددهم وقوتهم فيبطش بهم حسداً أو حذراً، قاله بعض المتأخرين.
{وما أغني عنكم من الله من شيءٍ} أي من أي شيء أحذره عليكم فأشار عليهم في الأول، وفوض إلى الله في الآخر.
قوله عز وجل: {ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من الله من شيءٍ} أي لا يرد حذر المخلوق قضاءَ الخالق.
{إلاَّ حاجة في نفس يعقوب قضاها} وهو حذر المشفق وسكون نفس بالوصية أن يتفرقوا خشية العين.
{وإنه لذو علم لما علمناه} فيه ثلاثة أوجه.
أحدها: إنه لعامل بما علم، قاله قتادة.
الثاني: لمتيقن بوعدنا، وهو معنى قول الضحاك.
الثالث: إنه لحافظ لوصيتنا، وهو معنى قول الكلبي.